Powered By Blogger

الاثنين، 24 ديسمبر 2012

دنيا جديدة --- كلام عن الاكتئاب

عرضنا فى التدوينة السابقة القصة القصيرة " دنيا جديدة"  للكاتب محمود تيمور
رابط للقصة

بطل القصة كما يظهر للجميع فى حالة نفسية سيئة و تقريبا مكتئب ، و هذا الأمر لا يحتاج لمتخصص كى يقوله.
و لكن للحقيقة القصة تبرز أحد المعالم البارزة فى الاكتئاب و المعروفة لدى المتخصصين بثلاثية بيك Aaron Beck Triad و التى تظهر بوضوح شديد على مدار القصة و تشكل تقريبا نصفها الأول ، و الثلاثية هى :
 - رؤية سلبية للذات (الأشياء سيئة لأننى سيىء)
- رؤية سلبية لتجارب الحياة ( الأشياء كانت سيئة دوما)
- رؤية سلبية للمستقبل ( سيظل الفشل رفيقى دوما فى المستقبل) 
يظهر هذا أكثر ما يظهر فى كلام بطل القصة عن حيوان ما قبل التاريخ الذى يترصد به ، و يعيقه ، رؤيته  لنفسه بلا مستقبل ، و يتبلور كل هذا فى حل الانتحار.
الفكرة التى طرحها البطل حول أن الموت هو أعظم انتصار على الحياة ، و النشوة التى كان يشعر بها و هو يقترب من النيل كما شرح ، هو نوع من أنواع الخداع المعرفى الذى يمارسه مريض الاكتئاب لاشعوريا ، و هو جزء من أعراضه.
أهمية ثلاثية بيك التى شرحناها سريعا ، ليست تشخيصية ، بقدر ما هى علاجية ، فالعمل على تصحيح هذه الثلاثية ، و تعديلها هو قلب العلاج السلوكى المعرفى لمريض الاكتئاب  (Cognitive Behavioural Therapy (CBT 
و تعديل المفاهيم المغلوطة لدى المريض ، و إبدالها بمفاهيم صحيحة ، و نماذج سليمة مع التدرب على تطبيقها ، و تدقيق الأفكار السلبية و حصرها و حصارها يساعد كثيرا فى التحسن.


و لكن الخبر غير الجيد أن النهاية السينمائية المبهجة التى انتهت بها القصة ، ليست حقيقة أو ممكنة من الناحية الطبية ، فمريض الاكتئاب الذى يفكر فى الانتحار ، 
و درجة يأسه و اكتئابه عالية كبطل القصة ، لن يلاحظ جمال من أنقذها ، فضلا عن أن يجد فى نفسه عزما على إنقاذها ، و لن يعظها ببلاغة عن جمال الحياة.
و حتى لو حدث هذا ، فإن تحسن حالة هذا المريض الوقتية ، بمؤثر خارجى كما حدث فى قصتنا ، لن يعنى استقراره ، فأفكاره المغلوطة ما زالت حاكمة و متحكمة بعقله ، 
و تؤدى دورا هاما فى انتكاسه و عودة أعراضه بشدة.
(مثل المريض الذى يعالج من الاكتئاب بعلاج دوائى فقط ، يظل تحسنه أقل من المريض الذى عولج بمزيج من العلاج الدوائى و العلاج النفسى معا).


الإحصائيات العالمية تخبرنا أن الاكتئاب و اضطرابات المزاج هى أعلى الأمراض النفسية تسببا فى الانتحار ، و تصل النسبة 15 % ، 
بينما المتوسط العالمى 0.125 % فقط .
و الاحصائيات تخبرنا أيضا أن من تصيبه نوبة اكتئاب ، فإن فرصة إصابته بنوبات أخرى تبلغ 75 % ، و العدد الكلى غالبا حوالى 5 نوبات فى العمر ، فترة النوبة حوالى 10 شهور ،  تقل بالعلاج.
الخبر الجميل وسط كل هذه الأرقام :
50 % من المرضى يتحسن تماما
30 % يتحسن جزئيا
20 % يتخذ المرض صورة مزمنة لديه.
ما زال هناك أمل :)

فى التدوينة القادمة : اختبر نفسك للاكتئاب

For Psychiatrists Only:
A Suicidal patient was present on this story, apparently serious, yet showing some puzzling symptoms, having mood congruent hallucnations , presistent suicidal ideation, yet in a second, once he saved the girl, showed inflated self esteem, pathological grandiosity !
Good News it's not for exam, would have been tpp bad for us.   
     
      

السبت، 22 ديسمبر 2012

دنيا جديدة محمود تيمور

قصة قصيرة للكاتب محمود تيمور من مجموعته القصصية دنيا جديدة
للمزيد عن الكاتب محمود تيمور فضلا اتبع الرابط


القصة :  دنيا جديدة 

غادر المنزل و قد بنى عزمه على أن ينفذ فكرته ! ..
و سار فى الطريق زائغ النظرات ، و فى رأسه أتون يتأجج ، و لكن خطواته كانت متلاحقة محكمة تدل على عزيمة و اقتدار ، كأنها خطوات جندى ماض إلى حومة القتال ! ..
إنه يشبه الجندى فيما يقصد إليه ، من أداء مهمة و خوض معركة ، و لكن الفارق بينهما أن الجندى يمضى و هو فى فسحة من الأمل ، أن يعود ظافرا ، يعانق الحياة ، 
و يقتطف ما فيها من متع و مباهج ! .. أما هو ، فيسير فى مثل صلابة الجندى 
و عزمته ، بيد أنه يعلم علم اليقين أن ذهابه إلى غير رجعة ...خوض معركة يخرج منها مهزوما قد طواه الردى ! ...
و لكن كيف يعد نفسه مهزوما ، إذا انتحر ؟ ..
أليس الموت فى حقيقة الأمر ، أكبر انتصار على الحياة !..
و ماذا لقى من هذه الحياة ؟ .. إنها لحرباء خبيثة ، طالما خادعته و غررت به .. هذه الحياة لقد كانت تتفنن فى الكيد له ، و تسخر من إخفاقه ،  و تذيقه ألوانا من التعذيب 
و الإيلام ! .. هذه الحياة لقد كانت تركله و تطأه ، فينهض محنىّ الظهر ، معفر الوجه ، ليخفض هامته ثانية لتلك الجنية اللدود ، فلا تلبث أن تنحنى عليه بسياطها حتى يخرّ مثخنا بجراح الخيبة و الإذلال ! ..
هيهات للحياة أن تنال منه منالا بعد اليوم .. إنه سيقف أمامها وجها لوجه ، و يقول 
لها : لن تستطيعى منذ الآن أن تستعبدينى و تستمرئى شقائى ! .. كلا ، لن تستطيعى أن تفعلى شيئا معى ! .. ستقفين أمام رفاتى ، قليلة الحيلة ، عاجزة الوسيلة .. مهما تحاولى فليس فى مقدورك أن تلحقى بى أى أذى ! .. إنها ساعة انتصار لى .. أليس الموت فى الحقيقة أكبر انتصار على الحياة ؟ ..
و حث خطاه إلى حيث ينفذ فكرته .. و لكن أى جهة يختار ؟ .. إنه يدرى إلى أى ميدان يذهب ، و لكنه لا يدرى أى مكان فى هذا الميدان يحل فيه ؟ ..
بأى أسلوب ينتحر ؟ ..
ما أكثر الوسائل ! .. أيختار الترام ؟ .. و مثل فى ذهنه الترام ، و هو يقطع الطريق مثقلا براكبيه ، كأنه أتان حملى مكدودة .. أتان عجفاء نخرة العظام .. أيسلم لهذه الأتان رقبته طائعا مختارا ؟ أيرضاها لنفسه جلادا ؟ ..
هناك السم الزعاف .. هناك المدية الماضية .. ، هناك أفانين مما يكفل له بلوغ مأربه المنشود .. و أشرق وجهه بغتة إشراقة الظفر .. لم لا يكون النيل جدثه العظيم ؟ .. هذا الأله القادر ، الذى يتدفق منذ الأزل ، يشق الصحراء الجرداء ، فيحيلها جنات فياحة ناضرة .. إنه ليلقى بنفسه عن طيب خاطر فى هذا الفيض الزاخر بالخيرات ! .. ما أسعده حقا  إذ يشعر بأن ذراعى هذا الأب الشفيق ، تضمانه إلى صدره فتخفيانه ، فلا يلبث أن يفنى فيه ! .. أى فخر أعز من أن يغدو جزءا من ذلك الأله فى قوته و عظمته ، يشاركه فيما يغدق على البلاد من نعم و بركات ؟ ..
لقد جرب حظه فى الحياة مرات و مرات ، فباء بالإخفاق المر ! .. هو الإخفاق دائما .. ذلك الوحش الهائل الذى تجمعت فيه كل مظاهر القسوة و العنف ، ذلك الحيوان الضخم ، الذى يماثل الحيوانات المنقرضة التى عاشت قبل التاريخ .. إنه ليلاحقه حيثما حل ، يراه تارة رابضا أمامه ، و هو فى ساحة الامتحان ، يرمقه بالنظر الشزر ، و يبتسم له ابتسامته النكراء ، و يكشر عن أنياب قذرة مسنونة كرؤوس الحراب .. و يخيل إليه دائما أنه يسمع منه فحيحا ، كأنما يقول له : هأنذا لك بالمرصاد ! ...

هو الإخفاق دائما .. يعاجله أبدا فى كسب رزقه، فى تحقيق مآربه .. و أخيرا و قد سقط مريضا و طالت به العلة ، كان يرى ذلك الحيوان المنقرض  ، حيوان ما قبل التاريخ ، و قد أرسل خرطومه يستنزف دمه على مهل  ، و يستل روحه فى بطء ! .. لقد لازمه ذلك الحيوان فى مرضه  ، و لم يدعه إلا خرقة انسانية مهلهلة ، لا حيوية فيها و لا نشاط ! ..
ماذا فى هذه الحياة يستحق أن يعيش من أجله ؟ .. إنه يحيا فى بيت خاله مع أسرته ، يحيا معهم كالغريب المنبوذ .. طالما قرع سمعه صوت خاله : لوجه الله أطعمك ، 

و آويك ، فإلى متى ؟ .. و طالما تعالت صيحات التذمر و السخرية ، فيخالها دخانا كثيفا ، يتعقد و يحيط به ، حتى لا يستطيع أن يتنفس ! .. و هذا الحيوان المنقرض ، حيوان ما قبل التاريخ ، مترصدا له أبدا ، تتلاعب ابتسامته النكراء على فمه الغليظ الأدكن ، و هو يكشر عن أنيابه القذرة المسنونة كرؤوس الحراب ...
و سار الفتى ثم سار حتى دنا من ضفة النيل .. إن التخيلات الشامخة ، بهاماتها الملوكية ، لترف بأغصانها ترحابا بمقدمه  ! .. و إن الشمس الغاربة بقرصها المتوهج ، لكأنها نار وليمة تشب لاستقباله ! .. النيل ! .. نعم النيل !! .. فى عبابه الزاخر يودع عالم الشر و الفناء ، يستقبل عالم النعيم و الخلود ، و هو محوط بتلك الأناشيد العذاب ، ترددها له أطياف لا تراها العيون ، تلك الأناشيد التى لا يسمعها إلا من أقبلوا على الأبدية ، بأرواح تخلصت من الشوائب ، و شملها الطهر و الصفاء ! ..
و أصبح من ضفة النيل على قيد خطوات ، و أحس بقدميه تتثاقلان ، و قد بدأ يغشاه سحر غريب .. و اختار مكانه الملائم .. و وقف هناك وقفته الأخيرة ، و عيناه تحدقان فى الأمواج المتدفقة ، يحاول أن ينفذ إلى أعماقها .. ماذا وراء هذه الأمواج التى تتراقص على متن النهر ؟ ..
و انبعثت ضجة غير بعيدة منه ، فتلفت هنيهة حوله .. إنها حركة الطريق .. أناس بين غاد و رائح و مركبات تضج بعجلاتها و تصيح بأبواقها .. إنها ضجة الحياة ، ضجة الدنيا .. و ابتسم ابتسامة هازىء ، ثم عاد يحدق فى الماء ! ..
أحقا أن هذه الدنيا ليست جديرة بأن يعيش من أجلها ؟ .. إن الناس من أجلها يعيشون ، إنهم يسعون إلى الرزق كادحين مجاهدين .. أليس هو مثلهم انسانا ؟ .. ألا يستطيع أن يسعى كما يسعون كادحا مجاهدا ؟ و لكن هذا الإخفاق ، هذا الحيوان الهائل الكريه ، حيوان ما قبل التاريخ .. إنه رابض فى طريقه يسد  عليه المسالك ، و لن يستطيع هو بخور عزيمته أن يتغلب عليه و ينحيه عن الطريق .. أفى مقدور بعوضة أن تساور الأسد الجبار ؟ .. إنه ليشعر بالامتعاض و التأفف من نفسه ، لماذا رضى أن يكون بعوضة ، على حين يرى الناس من حوله أسودا ضارية ؟ ..


و أطال التحديق فى الماء أمامه ...
و تحفز ليقفز ، فإذا به يسمع حركة طارئة .. حركة تصحبها همسات و أنّات .. و تلفت حوله ، فتبينت عينه فى ظلمة الغروب شبحا يضطرب على حافة الشاطىء عن كثب منه .. و ألفى نفسه يكمن خلف جذع شجرة ، و أخذ يرقب الشبح من مكمنه ، و يحدّ بصره ، فإذا الشبح فتاة تتعثر فى خطاها ، و بين يديها لفيفة تضمها إلى صدرها ضمة رحمة و حنان .. و توقفت الفتاة ، و أطالت النظر إلى اللفيفة ، ثم مهدت لها مكانا بين الأعشاب النابتة على حافة الشاطىء ، و وضعتها فى رفق ، و ما لبثت أن انحنت عليها تقبلها فى شغف ، و نهضت بغتة مندفعة صوب النهر .. و فى لمحة هوت فى الماء ، فانبعث لسقوطها صوت مكتوم مفزع ، كأنه صوت وتر فى قيثارة شد إلى أقصاه حتى انقطع ! ..

و ألفى الفتى نفسه يهوى حيث هوت الفتاة ، و يغوص وراءها ، فى ذلك الخضم المتلاطم .. و بعد جهد و مغالبة استطاع أن يصل إليها ، و أن يعود بها إلى الشاطىء ، خائرة القوى ، فاقدة للوعى ! ..
و أخذ يسعفها بما هدته إليه الفطرة ، و نجح فى مسعاه ، فإذا الحياة تضطرب بين جوانح الفتاة ، فوضع رأسها على ركبتيه ، و عيناه تتوسمان وجهها ، و قد بدأت مواكب الليل تتزاحم إثر النهار الغارب تطارد فلول الضوء ! .. و لكن تلك المواكب لم تلبث أن وقفت خاشعة ، أمام ذلك الملك العظيم ، الذى بدأ يعلو من الشرق قرصا أرجوانيا ، يتهادى فى روعة و جلال .. فتصاغرت أمامه جحافل الليل الزاحف ، 
و أخذت تتزايل ..
  و سطع الضياء الفتىّ على وجه الفتاة ، فإذا بمحياها هادىء لم يزده امتقاع الإعياء إلا وسامة على وسامة ، و كان شعرها البليل مسدلا حول رأسها تتناثر خصلاته على كتفيها ، و قد تدلت بعض هذه الخصلات ، تخفى ما ظهر من صدر ناهد ، كان قد شق القميص و أسفر ! ..
و رفعت الفتاة جفنيها ، فإذا عينان زرقاوان تماثلان زرقة السماء الصاحية ، تختلج أهدابهما الوطاف حولهما ، كأنها أحراس ساهرون  على ذلك النبع الفياض ..
و نهضت الفتاة برأسها قليلا و همهمت جزعة :
أين أنا ؟ ...
فمسح الفتى على شعرها ، و قال فى لهجة ظفر و وثوق :
أنت فى حرز أمين ...
و تلاقت عيناهما فى ذلك الضوء الفضى الساجى الذى يشيع فى النفس الأمن و الصفاء .. و جعلت الفتاة ترنو فى شبه غيبوبة تختلط حيالها الحقائق  بالأحلام  .. و أطال الفتى النظر إلى عينيها ، و أحس بأن هذا النبع قد أخذ يفيض بالخيرات ، و إذا هو يرى فيه عوالم جديدة ، ذات سماوات و أرضين ، لا عهد له بها من قبل ، و إنه ليسمع من ذلك النبع الفياض خريرا لم يسمع قط أبهج منه ...
و مرت على الفتى فترة ، و عيناه موصولتان بعينيها ... إنها لحياة جياشة تتفتح له ، حياة بعيدة عن واديه القديم بقفره و جدبه ..
و اعتلجت فى رأسه شتى الخواطر و الأفكار .. يا للعجب ! .. إن الله قد بعث به إلى ذلك النهر لينقذ حياة هذه الفتاة الناعسة .. هناك قوانين قاهرة ، لا يستطيع المرء أن يقف لها على تفسير .. ألسنا مسيرين حقا لا مخيرين ؟ لقد أنقذ روحا بشرية من صنع الله .. أنقذ مخلوقا من بنى جنسه ، رد إليه الحياة ثانية ، بعد أن أوشكت أن تفر عنه ..
إنه غالب الموت فغلبه فى المعركة .. إن الله أراد لهذه الفتاة الحياة ، فكان هو فى ساعته يد الله ! .. إنه يحس قوة الله فى جسمه ، و عظمته تسرى فى أوصاله ! ..
و اهتز الفتى اهتزازة اعتداد بنفسه و اعتزاز ...
و سمع الفتاة تهمهم :
لم أنقذتنى يا سيدى ؟ ...
فقال و عيناه ما زالتا موصولتين بعينيها :
لم يكن لك أن تجرمى فى حق نفسك هذا الجرم ...
 و استمع لصدى صوته فى نفسه ، فكأنه يستمع إلى انسان آخر يتكلم ، كائن جديد ينطق فى لهجة جديدة ..
أجابت الفتاة :
و هل من العدل أن يحيا المرء فى هذه الدنيا ، يعانى من الظلم و يشقى ؟ ..
 - ليس لنا أن نتخير ، بل نصبر على ما نحن فيه .. ثم نجاهد و نكافح و نأمل !!..
- لقد جاهدت ، فبئت بالخيبة ، و فقدت كل أمل ..
- حاولى أن تخلقى الأمل خلقا ، و أن تتصيدى السعادة تصيدا ! ..
- حاولت فأخفقت ...
 - حاولى أيضا و لا تيأسى .. يجب أن يكون فى قلبك إيمان أن الحياة ليست عبثا ..
 - كيف ؟ 
- فكرى للحظة .. إن الله لم يخلقنا فى هذه الدنيا سدى ، و إلا فما هى حكمته فى أن يقذف بنا فى هذا التيار ، نصاوله و نصارعه ، دون جدوى ؟ .. إن لكل منا رسالة يؤديها ! ..
- و هل لمخلوقة حقيرة مثلى رسالة ؟ ..
- أحقر كائن فى الأرض له رسالة يجب أن يؤديها ، و إن خفى علينا و عليه أمرها ..
و غمغمت الفتاة :
- رسالة ؟ .. أنا أؤدى رسالة ؟ ..
و بغتة تلفتت حولها متفزعة  ، و صاحت :
طفلتى !
و هرع الفتى و الفتاة إلى مكان اللفيفة ، فألفيا الطفلة مدرجة فى لفائفها ، ناعمة العين بالنظر إلى القمر ، مبهورة بضوئه اللألاء ، تتحرك يدها فى فرحة ، و هى مستغرقة فى مناغاة و مناجاة ..
فالتقطت الأم طفلتها ، و احتوتها فى صدرها ، و جعلت تغمرها بقبلها الحنون ..
ثم شرعت تقص على الفتى قصة ذلك البؤس الذى دفع بها إلى القضاء على نفسها .. إنها قصة شائعة تتلخص فى كلمات قلائل :
حب ، فعبث بالفضيلة ، فافتضاح ، فطرد من بيت الأسرة ، فتخل من الحبيب ..
فأمسك بيدها يلاطفها و هو يقول ، و قد أشار إلى الطفلة ، يداعب وجنتيها :
ألا تعترفين معى بأن فى الحياة نواحى جميلة طيبة ، و أن الله لم يخلقنا فيها سدى ؟
كان الفتى قد ترك فى بيته كتابا ، يخبر أهله فيه بأنه معتزم التخلص من الحياة ، 
و كانت الفتاة قد تركت فى بيتها أيضا مثل هذا الكتاب .
إذن لقد انتحرا .. تخلصا من دنياهما القديمة التى شقيا بها ، و شقت بهما حينا من الدهر ..
لقد أنقذ الفتى روحين ، و إنه لمسئول عن مصيرهما ..
و نهضا .. و طفقا يسيران ، هو يخطو مرفوع الهامة ، تتقد عينام عزما و حيوية ، 
و هى بجانبه معتمدة على ذراعه ، يشرق على محياها سيما الاطمئنان ..
إنهما يسيران ..
يسيران و قلباهما يخفقان بشعور واحد ، شعور نقى ناصع ، كضياء هذا الكوكب المتألق الذى يغمرهم بفيضه اللؤلوئى ..
يسيران نحو دنيا جديدة ...    

انتهت القصة كما كتبها الكاتب و يليها التحليل و التعقيب     

 
     

الثلاثاء، 18 ديسمبر 2012

طب X فن ، فن X طب

      بادىء ذى بدء نعتذر لمن تابع هذه المدونة فى بدايتها عن عدم الانتظام فى الكتابة بها.
و ذلك لظروف خاصة و عامة.
على كل حال نعود للتدوين المنتظم إن شاء الله بهذه المدونة.
و نبدأ سلسلة جديدة، أحسبها نافعة ، الطب النفسى فى الفن بأنواعه ، من أفلام
 و قصص و روايات ، ..
نعرض لتناولها لبعض الأعراض أو الأمراض ، و نعلق و نحلل تناولهم من الجانب العلمى.
و لهذا الأمر غاية و هى تقريب و تسهيل علم الطب النفسى ، فنحن لا نكتب فقط للأطباء ، او المختصين ، بل  نهدف لتبسيط العلوم ، مع الحفاظ على أنها علوم.
لن نتناول بالطبع أى عمل أو فن يعرض للطب النفسى أو المرض النفسى بصورة مهينة أو فجة ساخرة  ، فهذا عكس ما نريد.
ندعو الله عز و جل أن يعيننا على عمل جيد.

الخميس، 21 يوليو 2011

كيف تواسى بصورة صحيحة ؟

   كل ابن آدم يحزن ، و يمر بظروف قاسية ، و يحتاج لدعم نفسى من المحيطين به ، و لما كان لهذا الأمر قواعد علمية ، رأيت أنه من الواجب على كلّ منا تعلمها و الإلمام بها ، لأن حياتنا لن تخلو من دعم نفسى نقدمه لغيرنا أو نتلقاه منهم.
هدف الدعم فى الأساس هو إشعار صاحب المشكلة أنه ليس وحيدا ، و أن هناك من يشعر به و يؤازره.
من وجهة النظر الإنسانية لا الطبية ، كل حزن قد يحتاج لدعم ، و لا يقدر هذا برؤية من يقدم الدعم ، فقد يحزن شخص ما فقد قطته أكثر من آخر فقد ابنه ، نحن ندعم الآخرون ليس حسب تقييمنا لألمهم ، بل حسب تقييمهم هم.
( من وجهة النظر الطبية المثال المذكور غير دقيق لوجود تشخيصين مختلفين لكل من الحالتين المذكورتين و لكن هذا أمر يهم المتخصصين فقط).

طرق صحيحة للمواساة :
- المواساة ليست كلمات تقال ، بل شعور ينقل ، قد يكفى وجودك صامتا فى حضرة صديق قديم فى محنة عن فيضان من الكلمات تقال من آخرين. 
- استعمل لغة الجسد كاللمس و التواصل البصرى و الإيحاءات الجسدية لتوصيل رسالة التعاطف و المؤازرة.
- شجع صاحب المشكلة على التعبير عن مشاعره ، و شجعه على التكلم عن التفاصيل.
- لا مانع من فتح حوار بوجود عدد من المقربين بخصوص المشكلة ، بموافقة صاحبها طبعا.
- الزيارات القصيرة المتكررة أفضل من الزيارات الطويلة المتباعدة.
- كن حذرا من ردود الأفعال اللامبالية تجاه المشكلات ، فقد لا تظهر قوة بقدر ما تظهر تأجيلا لرد الفعل النفسى ( من إنكار أو تأجيل لرد الفعل).
- إذا كان للمشكلة تكرار دورى (مثلا ذكرى سنوية للوفاة ) حاول التواجد فى هذه الذكرى بجانب من تدعم.
- كن على علم بأنه كلما كانت المشكلة أو الصدمة مفاجئة كلما كان رد الفعل أعنف ، و العكس عندما يكون الأمر متوقعا.
      ( الشخص المسن الذى يتوفى فى مستشفى بعد شهر فى الرعاية المركزة كمثال ، و الشاب حديث السن المتوفى طبيعيا).

طرق خاطئة للمواساة:
- أن تخبر صاحب المشكلة بأن لا يحزن و لا يغضب.
- التهوين من المشكلة.
- لا تلجأ لاستعمال المهدئات على الفور ، سواءا كنت طبيبا يصف الدواء أو مريضا ، فى البداية الكلمة خير من الدواء.
(طبعا هذا لا يتنافى مع أهمية العلاج الدوائى لبعض الأفراد بالبروتوكلات المعروفة).






اللوحة الأخيرة من عمل الفنان صاحب هذه المدونة رابط

ما هو أكثر ما يثير التوتر ؟

  لما كان التوتر قرين للحياة تقريبا ، قام العلماء بعمل مقياس علمى لما تسببه ظروف الحياة المختلفة من توتر ، و رأيت أن أشارككم فيه.

مسببات التوتر حسب شدتها :
- وفاة الزوج أو الزوجة 100 %
- الطلاق 73 %
- الانفصال الزوجى  65 %
- وفاة أحد أفراج العائلة المقربين 63 %

- فقدان مؤثر الصحة بسبب مرض أو إصابة 53 %
- الزواج 50 %
- فقدان الوظيفة 47 %
- التقاعد 45 %
- فقدان مؤثر للصحة فى أحد أعضاء الأسرة المقربين 44 %
- ولادة أو تبنى طفل 39 %

- الحصول على قرض كبير 31 %
- الترقى فى العمل أو التجاوز فى الترقى 29 %
- مغادرة طفل للمنزل 29 %

- تغيير محل الإقامة 20 %
- الإجازة (التى تتضمن سفر)  15 %
- العطلات الممتدة ( مثل الأعياد) 12 %


المعلومات السابقة من:
Magnitude Of Stress Associated with life events According to the Holmes & Rahe Social Readjustment Scale

1+1= 2 ؟؟؟؟

حوار دار بينى و بين صديق لى من دارسى الرياضة البحتة و هى حسبما فهمت منه فلسفة و نظريات الرياضة.
- طبعا 1+1=2 كما تعرف
#  يا سلام ، طبعا لا.
- !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
# 1+1=2 فقط لو كنت فى الصف الخامس الابتدائى.
- !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
#  لو سألت الأول على محافظتك فى الابتدائى عن ناتج جمع 1+1 لأجاب نفس إجابتك ، و لكن لو سألته عن 1-2  لقال أنها مسألة مستحيلة.
بينما الراسب فى الصف الأول الإعدادى يعرف أن 1-2=-1
1+1=2 فقط فى أطار الأعداد الطبيعية ، و لكن 1+ (-1) = 0
هذا بغض النظر عن تأثير الوحدات المتكامل و المضاد ، لو أن لدينا عدد عاملين فقط ،
و هذان العاملان لديهم عيوب مختلفة و كل منهم يكمل نقص الآخر ، لكان مجموع عملهم 2.5 مثلا ، بينما لو كان العاملان يشتركان فى العيوب و يؤثران سلبيا على بعضهما لكان مجموع عملهم 1.5 فقط.
- يعنى 1+1 لا تساوى بالضرورة 2
# هذا يتوقف على أى مرحلة دراسية تمر بها :)     

تطبيق بصرى :
 

الأربعاء، 20 يوليو 2011

الثعلب و العنب المر رؤية جديدة

     درسوا لنا فى صغرنا قصة الثعلب الذى كان يمشى فى الغابة هائما جائعا ، و وجد عنقودا من العنب المتدلى يبدو شهيا جدا ، ظل يحاول أن يقفز ليناله ، و لكن هيهات ، فالعنب بعيد المنال.
نظر الثعلب إلى العنب قائلا : من المؤكد أنه مر الطعم.
بغض النظر عن حقيقة أن الثعالب لا تأكل العنب عادة ، و لكن فى هذه القصة درسوا لنا الثعلب على أنه يخدع نفسه ، يعجز عن نيل الشيىء فيزعم الزهد فيه. (قصير الذيل كما نقول فى مصر)
و لكن للحقيقة هذا الثعلب قام بعمل معالجة معرفية لمشكلته ، و هذه المعالجة مفيدة لبعض الناس ، فهو لم يقض يومه متحسرا على العنب الذى لم يحصل عليه ، و لا قضى عمره باكيا تحت شجرة العنب آملا فى معجزة تسقط العنب له ، و لا ندب حظه كونه قصير القامة عن بلوغ العنب ، و لا لام غيره على عدم قدرته  كلوم أهله مثلا لعدم تعليمه التسلق أو عدم تأمين مستقبله ببناء بستان من العنب له.
بل فعل الشيىء الوحيد المنطقى ، مضى للبحث عن هدف متاح و منطقى ، و لكى يقلل الحزن عن نفسه افترض أن العنب مر و هو فرض جدلى قد يصح و قد لا يصح ، بينما لو افترض أن هذا العنب هو أجمل عنب الكون لما كفاه كل عنب الكون عوضا له.
كم منا يقضى عمره بحثا عن عنب لا يوجد ، و كم منا يضيع بساتين زاهرة من أجل عنقود مجهول.
و كم منا "قصير الذيل" كالثعلب.

تطبيق بصرى للقصة
فضلا اضغط على الصورة لمشاهدتها بالحجم الكامل